Results

Thesis & Dissertations

الرثاء في المعيار النقدي (من العصر الجاهلي حتى سقوط بغداد 656 هـ )

Abstract

الرثاء في المعيار النقدي (من العصر الجاهلي حتى سقوط بغداد656ه) جاء البحث بمقدمة يليها تَمْهيد وثلاثةَ فصول وخاتمة . وقد أشرت في هذه المقدمة إلى الأسباب التي دفعتني إلى دراسة هذا البحث والمنهج الذي اتبعته. وجاء التمهيد بتوضيح موجز لمفهوم النقد وتعريفاً بالرثاء والمعيار لغةً واصطلاحاً, أمّا الفصل الأول فكان عن ملامح التجديد في الرثاء. وقد جاء في ثلاثة مباحث, تحدث المبحث الأول عن الإطار المفاهيمي للرثاء بعنوان الرثاء عند القدماء. أمّا المبحثُ الثاني, فتناول التجديدُ في الألفاظِ, وتحدَّثَ المبحث الثالث عن التجديدِ في الأساليبِ. وكان الفصل الثاني عن قصيدةِ الرثاءِ في ميزان النقدِ والذي اشتملَ على ثلاثةِ مباحثٍ أيضاً . تناولَ الأولُ قضيةَ المطلعِ أو المستهلِ في مراثي الشعراء, وتناولَ الثاني الوحدةَ العضويةَ والفنيةَ, فيما كان الثالث عن كيفيةِ التخلصِ بشكلٍ منطقيٍ مقبولٍ, فضلاً عن الخاتمةِ والتحامها بالقصيدة كوحدةٍ واحدةٍ. وقد خُصِصَ الفصلُ الثالثُ للذاتِ وحركةِ الزمن في مراثي الشعراء, وتضمَّنَ ثلاثةَ مباحثٍ ايضاً, تناولَ المبحثُ الأولُ المرثيةَ بين الذاتِ والندبِ, وأمّا الثاني, فقد تناولَ تحولاتِ الذات في رثاءِ النفسِ. في حين جاء الحديثُ في المبحثِ الثالثِ , في الذاتِ الشاعرةِ وعلاقتِها بحركةِ الزمن, فضلاً عن كيفية تمكُنْ الشاعر من إعادةِ مراسيمِ الرثاءِ الذي مضى, وطابع الحزن هذا, بصورةٍ أُخرى إلى الزمن الحاضر . وقد أنهيتُ البحثَ بخاتمةٍ, أشرتُ فيها إلى جُملَةٍ من النتائجِ التي توصلَ إليها البحثُ. إن البحث أشار إلى أن غرض الرثاء هو من أصدق الأغراض الشعرية التي تناولها الشعراء على مدار الأزمنة والعصور المختلفة, إذ إنها تنبعث من شعور صادق وعاطفة صادقة صافية. تلك العاطفة التي تجسدت عند الشعراء نتيجة الإحساس بالآلام والأحزان العميقة؛ لما قد يمر عليه من خطوب الدهر ومصائبه, وبها يذوب قلب الشاعر بل يلتهب ويحترق, كما أشار الإعرابي في جواب رداً على سؤال الأصمعي له, ما بال المراثي اشرف أشعاركم؟ فكان رده: لأننا نقولها وقلوبنا محترقة. لذلك يعدُّ هذا الغرض هو الأصدق بين الأغراض الشعرية؛ لأنه يخلو من الزيف والنفاق والتكسب المفرط. ومن هذا الخيال الذي صاغه الشاعر فقد أرتقى في هذا الفن بواسطة الخيال الموحي عن التعبير النابض الذي يعبر فيه عن عواطفه بقيمة فنية رائعة. وبذلك فهو يرسم صورة توضح مشهداً أو موقفاً نفسياً ذا قيمة فنية من خلال وحدة القصيدة وتلاحمها, فالشاعر يجسد في أبياته الشعرية, الاستعارة في تصوير موت الفقيد والتشبيه لتلك الصورة بصدقٍ وإحساس عميقين, فقد استمد هذه الصور من الواقع المحيط به وذلك أقرب إلى الوصف منه إلى التشبيه والتصوير, فما بالنا في قول أبي ذؤيب الهذلي حين قال: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع لقد جسد الشاعر هنا صورة حسية, بل صوراً متعددة فقد جعل الموت أظفاراً وكأنه من الحيوانات الوحشية التي تفتك بالإنسان. فضلاً عن الصورة البلاغية التي جاءت واضحةً في البيت, من خلال استعارته للأظفار التي تشير إلى شيء آخر تدخل في الاستعارات التصريحية والمكنية , وغيرها من الصور الفنية. هكذا استطاع شاعر الرثاء نقل ما في داخله من الآلام والأحزان عن طريق هذا العرض الرثائي, تلك الطاقات والآلام التي تفجرت عنده, والتي أخرجها من الحياة إلى نهاية المطاف التي كان يبتغيها, أضف إلى ذلك أنه أستخدم هذه الصور الفنية في عرض الصفات والمناقب التي كانت عند الفقيد, والتنويه بتلك المآثر, ومزجه بين عاطفة الفخر والحزن على ذلك الفقيد المرثي. فعندما يصور الشاعر فقيده في صور متباينة معتمداً على التشبيه, إنما ينتزع هذه التشبيهات من بيئته التي يعيش فيها؛ لذا تكون صادقة العواطف تجاه المرثي. لقد صوّر الشعراء هذه المرثيات تحت مظاهر أساسية هي: البكاء والحزن وما يتصل به من شحوب وضعف, إذ إن هذه الدموع الباكية والعيون السائلة تؤجج الأحزان والآلام التي لا يراد لها أن تنطفئ, بل إن البكاء على الفقيد سيما المقتول, دليل طلب الثأر له. الندب والتأبين: فالندب هو البكاء والنواح والعويل على الميت بألفاظ كثيرة تستمطر الدموع من العيون, أمّا التأبينُ فهو إبراز محاسن الميت وتسجيل أمجاده وأعماله إيفاء وتخليداً لها وحثاً على الاقتداء بها والسير على نهجها. العزاء: ويقصد به ما يذهب به الشاعر الراثي إلى التفكير في رحلة الحياة ونزول البلاء وضعف الإنسان أمام نوازل الدهر ومصائب الزمان. وإذا كان هذا الرثاء في عصر ما قبل الإسلام, فقد اتخذ الرثاء في العصر الإسلامي شكلاً واسلوباً آخر من حيث الألفاظ غيرت من صورته الأولى إلى ظهور اتجاه جديد في قصائد كثيرة يرثي بها أصحابها الرسول الكريم (صل) كما جاء ذلك عند شعراء الإسلام كحسان بن ثابت حيث قال فيه قصيدة أولها: بَطَيبَةَ رَسمٌ لِلرَسولِ وَمَعهَدُ مُنيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ وَتَهمَدِوغير ذلك مما جاء في قصائد أخرى في هذا الأسلوب الذي يعالج قضية الموت والحياة, فهذه المعالجة عند حسان مثلاً تمت بحديثٍ مفجوع يعبر عن الألم بشفافية من خلال حسٍّ مرهف, وقد يطول الحديث عن ذلك وكل هذا ذكر في البحث. أمّا الأساليب التي ظهرت في العصر الأموي فهو رثاء شعراء النقائض بعضهم البعض, وقد اتسعت لتشمل رثاء النفس ورثاء الخلفاء وما إلى ذلك. وأمّا في العصر العباسي فقد اتسعت هذه الأساليب تبعاً لاتساع مساحة والأجناس البشرية, وتعدد الأساليب وألوان الرثاء؛ فكان الرثاء الشخصي, ورثاء الحيوان, ورثاء المدن والقصور, وغيرها. إن هذا التحول والتغير من خلال ما مرَّ معنا قد أصاب العقلية العربية وبخاصة الشاعر لم يؤثر في فنية النص فحسب, بل أثر في أسلوبه مع حوادث الموت؛ لأن الموت كان يعني عند شاعر عصر ما قبل الإسلام نهاية وعدم وفناء, في حين كان في العصر الإسلامي يعني الخلود والولادة الجديدة لدخول عالم الآخرة. هذا الواقع المحيط بالشاعر إنما له دور كبير في إنتاج النص الشعري الرثائي وحركة شخوصه, إذ لا يمكن الفصل بين هذا النص والواقع, وهذا التباين في نظرة الشاعر للموت تترتب عليه أموراً كثيرة منها : قضية الصلة بين الفقيد والراثي التي تعد من أهم الأمور التي تتحكم في انفعالية النص –كما مر معنا- في جواب الأعرابي للأصمعي. فضلاً عن ذلك أن حركية الزمن في النص الشعري هي نتيجة من تعامل الذات الشاعرة مع حادثة الموت أو فقد المرثي. وهذه الزمنية إنما جاءت من حركة شخوص الشاعر داخل النص. أضف إلى ذلك أن ثمة ارتداد زمني جاء من خلال الذكريات والرؤية المستقبلية من حيث الزمن ومدى البعد بين الذات والمفقود, كان في تباين واضح تبعاً للوثبات النفسية بين ما أشار إليه البحث في الندب والعزاء من جهة, وبين هذه المفاهيم أي ( الندب والعزاء) في العصرين الإسلامي وما سبقه من جهة أخرى.

Student(s)

يوسف احمد شيخ محمد

Supervisor(s)

د. بشير فرج .